مكتبـــــة الخطب

2025-12-21 09:38:18

أثر تقصير المأموم على الإمام

بسم الله الرحمن الرحيم

أثر تقصير المأموم على الإمام

من أحكام المأمومين!

25 / 11 / 1446

الحمد لله... أما بعد:

قرة العيون!

بستان العابدين، وقرَّةُ عُيونِ المحبِّين، ولذَّةُ أرواحِ الموحِّدين، وأنسُ نفوسِ الخاشعين، ومحكُّ أحوال الصادقين، وميزان أحوال السالكين، إنها الصلاة.. (في بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) النور: ٣٦.

أثر اختلاف القلوب على الصلاة!

إن من الغايات النبيلة لصلاة الجماعة أن يَحْضُر المأمومون بقلوب مسالمة، وأفئدة صافية، لا تُعكرها مُشاحنات الدنيا، ولا تضايقها منافسات خاسرة، وقد حرص الإسلام أن تقام الصلاة في المساجد وقد انتُزِعَتْ الكراهةُ من قلوب المأمومين، حتى يقبلوا على الصلاة بلذة وطمأنينة؛ ولذا شدد الإسلام على أن يؤم الرجلُ القومَ وهم له كارهون، إذا كانوا يكرهونه بحق: كبدعته، أو عدم إحسان قراءته، قال H: "ثلاثة لا تُجَاوز صلاتُهم آذانَهم...وإمامُ قوم وهم له كارهون"([1])، ومتى تنافر الناس فقد تنافر في الصلاة قلوبُهم، قال H: "لا تختلفوا فتختلف قلوبكم"([2]).

فينبغي على الإمام أن يؤلف القلوب، ويبتعد عن المشقة، ويوليَ المأمومين حقوقَهم، كما ينبغي على المأمومين مراعاة حق الإمام، فهو باب المسجد، وقوام الجامع، ولا يَصلح هذا البيت، إلا والقلوب عليه مؤتلفة.

تقصير المأموم يؤثر على ضبط الإمام!

وإن وجود الخلل في وضوء أحد المأمومين أو وجود الخلل في صلاته قد يكون مؤثرًا على صلاة الإمام، صلى النبي H صلاة الصبح، فقرأ بهم فأوهم، فقال: "إنَّهُ يُلبَّسُ علينا القرآنُ، فإنَّ أقوامًا منكُم يصلُّون معَنا لا يُحسِنونَ الوُضوءَ، فمَن شهِدَ الصَّلاةَ معَنا فليُحْسِنِ الوُضوءَ"([3]).

وهاهنا عشر مسائل تتعلق بأحكام المأمومين في الصلاة، ينبغي إدراكها، والعمل بموجَبها، ومنها:

1-المتابعة.

لا تجوز مسابقة الإمام، أو التأخر عنه، وإنما تجب المتابعة، أي: إذا كبر فيكبر، وإذا استقر ساجدًا خرَّ وراءه ساجدًا، قال H: "إنَّما جُعِل الإمامُ ليُؤتمَّ بِه، فإذا كبَّر فكبِّروا ولا تُكبِّروا حتى يُكَبِّر"([4])، فمن سابق الإمام متعمدًا، أو تأخر عنه متعمدًا بطلت صلاتُه.

قال البراءُ بن عَازب: "كان النبي H إذا قال: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَه لم يَحْنِ أحدٌ منَّا ظهرَهُ حتى يقعَ النبي H سَاجدًا، ثم نَقَعُ سجودًا بعدَه" ([5]).

"ومن التخلف بلا عذر أن يركع الإمام فيشتغل المأموم بإتمام قراءة السورة، وكذا لو اشتغل بإطالة تسبيح الركوع والسجود"([6])، ولا شك أن هذا من الخطأ ومخالفة السنة.

2-انقطاع صوت الإمام عن المأموم.

لو كان المأموم في الصلاة، وتأخر عن متابعة الإمام لعذر، كأن يكون المأموم بعيدًا عن الإمام وانقطع الصوت، أو سها وغفل عن المتابعة، ثم ركع الإمام، وقام من الركوع، ثم سجد، والمأموم لا يزال واقفًا في ركعته الأولى، ثم رجع الصوت، أو انتبه المأموم عن غفلته فإنه يأتي بما تخلف به، فيركع ويسجد، حتى يصل إلى إمامه.

أما إذا بقي المأموم واقفًا في الركعة لا يسمع صوت إمامه، أو بقي غافلًا عنه، حتى ركع الإمام، ثم سجد، ثم قام للركعة الثانية، والمأموم ما زال واقفًا في الركعة الأولى ثم رجع الصوت فإن على المأموم أن يبقى مع إمامه، وتكون ركعة الإمام الثانية هي بقية ركعة المأموم الأولى، وعليه أن يقضي ركعة.

3-إذا دخل المسجد والإمام في التشهد الأخير.

إذا دخل أحدكم المسجد فإنه يدخل مع إمامه مباشرة، حتى ولو كان الإمام ساجدًا أو جالسًا بين السجدتين، بل حتى ولو كان الإمام في التشهد الأخير، والداخل يعلم أن جماعة أخرى سوف تأتي للصلاة، فإنه يدخل مع إمامه؛ لأن الجماعة الأولى هي الجماعة الراتبة، وهي الأفضل المُقدَّمة، ولقولهH: "فما أدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا"([7]).

4-ماذا يفعل لو زاد الإمام ركعة خامسة؟

لو زاد الإمام ركعة خامسة، وعلم المأموم يقينًا أنها خامسة، فإنه لا يجوز للمأموم أن يتابعه، وتبطل صلاتُه إذا تابعه، وهو قول عامة الفقهاء، وإذا علم أن إمامه زاد في الصلاة ركعة فماذا يفعل؟ يكون المأموم مخيرًا بين أمرين: -إما أن ينتظره جالسًا حتى يُسلم بهم الإمام. -أو أن يُسلم المأموم قبل إمامه. كل ذلك جائز، وأن ينتظر المأموم إمامَه حتى يسلموا معًا أحسن ([8]).

5-كل من صحت صلاته صحت إمامته.

من قواعد الفقه في الصلاة والتي يندرج تحتها كثير من المسائل: "أن مَن صحت صلاتُه صحَّت إمامتُه"([9]).

فإذا كانت صلاة العاجز الذي لا يستطيع الركوع والسجود صحيحة، فإنه يصح أن يكون إمامًا، ولو كان مَن وراءه أصحاء، وإذا كانت صلاة الصبي ذي السبع سنوات صحيحة، فإنه يصح أن يكون إمامًا، ولو كان من وراءه بالغين، وإذا كانت صلاة من به سلسل البول (وهو الذي لا ينقطع بوله لمرضه) صحيحة، فإنه يصح أن يكون إمامًا، ولو كان من وراءه أصحاء، وهكذا، فكل من صحت إمامته صحت صلاته، وقد كان النبي H إذا غاب عن المسجد يستخلف ابن أم مكتوم يؤم الناس وهو أعمى ([10])، ولا يُستثنى من ذلك إلا ما استثناه الشرع، كإمامة المرأة بالرجل.

6-صلاة المأموم الواحد متأخرًا بخطوة عن إمامه.

إذا لم يصل مع الإمام إلا رجل واحد فإن المأموم يكون عن يمينه، ويكون المأموم محاذيًا للإمام لا متأخرًا عنه، وما يفعله بعض الناس أن يتأخر عن الإمام قليلًا فلا أصل له؛ ولذا بوّب البخاري في الصحيح: "يَقُومُ عَنْ يَمِينِ الإمَامِ بحذائهِ سواءً، إذا كَاناَ اثْنَيْنِ"، قال ابن رجب: "أي: مساويًا له في الموقف، من غير تقدم ولا تأخر"([11]).

وعن عبد اللّه بن عتبة بن مسعود، قال: "دَخَلْتُ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِالْهَاجِرَةِ فَوَجَدْتُهُ يُسَبِّحُ، فَقُمْتُ وَرَاءَهُ، فَقَرَّبَنِي حَتَّى جَعَلَنِي حِذَاءَهُ عَنْ يَمِينِهِ"([12])، وإذا صلى مع الإمام صغار مميزون (أي: من له سبع سنين) فإنهم يصلون خلفه كذلك، خلافًا لما يفعله بعض الناس أنه إذا لم يصل معه إلا صغار جعلهم عن يمينه فهذا خطأ.

7-صلاة المأموم أمام إمامه.

عند الزحام الشديد في بعض المساجد، وخصوصًا عندما يصلي المأمومون خارج المسجد، فإن بعض الصفوف خارج المسجد تتقدم على صف الإمام، وهذا يكون ظاهرًا في المسجد النبوي في ساحاته الخارجية، فإنك ترى بعض المأمومين يُحْدِث صفًا أمام الإمام، مع أن القائمين على شؤون المسجد الحرام قد وضعوا لوحات إرشادية تبين الحدَّ الذي لا يتجاوزه المأموم، فلو تقدم المأموم على صف إمامه فإن صلاته لا تصح، وهو مذهب عامة الفقهاء ([13])، قال ابن باز: "ومَن صلَّى قُدَّام الإمام فالذي ينبغي له الإعادة؛ لأنه هو الموافق لظاهر الأدلة"([14]).

اللهم فقهنا في دينك، وعلما سنة نبيك H.

الخطبة الثانية: الحمد لله.

8-صلاة المنفرد خلف الصف إذا لم يجد مكانًا.

إذا دخل إنسانٌ المسجد، والإمام يصلي وقد امتلأ الصف، فيجوز له أن يصلي منفردًا، أي: يصلي وحده في الصف، قال ابن عثيمين: "إذا كان الصف تامًا فصلِّ وحدك، ولا تجذب أحدًا، ولا تتقدم للصلاة مع الإمام، هذا هو القول الصحيح"([15]).

أما إذا صلى منفردًا خلف الصف بدون عذر، أي أحدث صفًا جديدًا والصف الأول لم يكتمل، وصلى منفردًا فإنه صلاته باطلة، ويؤمر بالإعادة، حتى إذا قال إني لم أعلم أن صلاتي تكون باطلة، قال H: "لا صلاة لمنفرد خلف الصف"([16]).

وهنالك حالة تصح معها الانفراد في الصف حتى ولو لم يكتمل الصف الأول، وهي صلاة المرأة، كما في حديث أنس قال: "فقمت أنا واليتيم وراءه -يعني وراء النبي H- والعجوز من ورائنا "([17])؛ ولأن المرأة لا تكون إلى جانب الرجال.

9-صلاة الرجل مأمومًا مع مأموم مسبوق.

إذا دخل الرجل المسجد ووجد إنسانًا يصلى، فإن للداخل المسجد أن يدخل معه في الصلاة، وتصح الصلاة جماعة على القول الراجح، ودليله هذا أن النبي H  قام ذات ليلةٍ يصلى وكان ابن عباسٍ رضي الله عنهما نائمًا عنده، فقام النبي H يصلى وحده، فقام ابن عباس فصلى إلى جانبه ([18]).

قال ابن عثيمين: "والاحتياط ألا يصلي خلف شخص إلا وقد عرف أنه نوى الإمامة، فإذا دخلت المسجد ورأيت شخصًا يصلي وحده، فقف إلى جنبه وقل: أنت إمامي، وإذا لم تقل ذلك وكبرت، فإنه ينبغي على الإمام أن ينوي أن يكون إمامًا لك لتحصل الجماعة"([19]).

10-تسوية الصف في الصلاة.

وهو آخر الأحكام وأخطرها: تسوية الصف في الصلاة، قال H: "عِبَادَ اللَّهِ، لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ" متفق عليه، قال البخاري في صحيحه: (باب إثم من لا يتم الصفوف)، وتسوية الصف هي ألا يتقدم أحد على أحد، لا بصدره، ولا بكعبه، وعدم تسوية الصفوف من أكبر أسباب مخالفة القلوب، وأثرها على النقص في الصلاة.

فاتقوا الله أيها المؤمنون، وارجوا ثوابه، وأديموا شكر نعمه، وأكثروا من الاستغفار.

 

عاصم بن عبدالله بن محمد آل حمد

 

([1]) رواه الترمذي، وحسنه الألباني.

([2]) رواه مسلم.

([3]) رواه النسائي وأحمد، وقال بن كثير: "إسناده حسن ومتنه حسن".

([4]) متفق عليه.

([5]) متفق عليه.

([6]) المجموع شرح المهذب (4/ 235).

([7]) رواه البخاري.

([8])  انظر: مجموع الفتاوى (23/53).

([9])  التنوير شرح الجامع الصغير، للصنعاني (2/423).

([10])  رواه أبو داود.

([11])  فتح الباري (6/ 197).

([12])  فتح الباري (6/ 190).

([13])  انظر: المجموع (4/300)

([14])  موقع الشيخ ابن باز.

([15])  لقاء الباب المفتوح (59/ 27).

([16])  رواه أحمد، وله شواهد تقتضي صحته.

([17])  رواه البخاري.

([18])  متفق عليه وهو معنى قول ابن عباس.

([19])  فتاوى نور على الدرب" (8/ 2)

📄 اضغط لمشاهدة الملف

خطب ذات صلة