مكتبـــــة الخطب

2025-12-21 09:39:08

أدب الأبناء

بسم الله الرحمن الرحيم أدب الأبناء 17 / 12 / 1446 الحمد لله. عماد كل عماد، ورونق كل رونق، هم الباساقات المنتظرات، واليرقات اليانعات، مزرعة نتاجها مثمر، وبيدر محاصيله وافرة، من ضيعهم فقد ضيع مفاخر الدنيا والآخرة، ومن جعلهم غي عينيه كانوا لهم حصنًا وقيا، ودرعًا سابغًا، وذكرًا جميلاً معطرًا، إنهم أبناء الأكباد، وبراعم البيوت، والبنون زهرة الحياة الدنيا. معلوم أن الأخلاق تاج الإسلام، وصولجانه البراق، ونسيمه الفواح، وما خُلُقٌ قبل الإسلام قويم وإلا وزينه الإسلام وجمَّله، قال رسول الله : "إنما بُعِثْتُ لأتمم صالحَ الأخلاقِ"( ). وإن من أولى الناس الذين تُبذل لهم الأخلاق، وتُغرس فيهم القيم، وأقرب الناس الذين يُعطون من المكارم آناء الليل، ويسقون من كريم الخصال أطراف النهار: هم الأبناء، فالأبناء تكملة الآباء، وامتداد الأبوين، وافتخار الأجداد، ولا تنتظر من غيرك أن يربيهم تربية صدق وإخلاص، فإن انتظرت فأنت كمن يَبلُّ الماء على الصخر الأصم حتى يلين، فلا أنفع من تربية الأبوين، ولا أكثر تأثيرًا من توجيه الوالدين، قال سبحانه: ﭽ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﭼ التحريم: ٦، قال علي رضي الله عنه في معنى الآية: "علِّموهم، وأدّبوهم"( ). فإن الصغير يلتقم التربية في صغرة بسلالة الماء، وسهولة الإسفنج، فالصغر موسم الزرع، ونماء الحرث، وهو لين يقبل الطي والتعديل بسهولة: إنَّ الغُصونَ إِذا قَوَّمتَها اِعتَدَلَت وَلا يَلينُ إذا قَوَّمتَهُ الخَشَبُ قَد يَنفَعُ الأَدَبُ الصَغيرَ في مَهلٍ وَلَيسَ يَنفَعُ في ذِي الشَيبَةِ الأَدَبُ فأفضل الهدايا للولد هدية التربية فإنه "مَا نَحَلَ والِدٌ وَلَدًا مِنْ نَحْلٍ أَفْضَلَ مِنْ أَدَبٍ حَسَنٍ"( ). ومن أدَّب ولدَه صغيرًا أطاعه كبيرًا، قال ابن عمر: "أدب ابنك؛ فإنك مسؤول عن ولدك ماذا أدبته وماذا علمته؟، وإنه مسؤول عن برك وطواعيته لك"( ). ولا ينفع الأبناءَ أن يكون لديهم علم، ولكنهم قليلو بضاعةِ الأدب، "فعلم بلا أدب، كنار بلا حطب، وأدب بلا علم، كروحٍ بلا جسم"( ). "فأدب المرء عنوان سعادته وفلاحِه، وقلة أدبه عنوان شقاوته وبواره. فما استُجْلِب خيرُ الدنيا والآخرة بمثل الأدب، ولا استجلب حرمانهما بمثل قلة الأدب"( ). وليُعلم أن الأدب مفتاح للعلوم، وبوابة لتلقي المعرفة، ومن نقص أدبُه صعب عليه تلقي العلم، ومن ازدان أدبه سهل عليه كل علم، فعن ابن المبارك قال: "مَن تهاون بالأدب عُوقب بحرمان السنن، ومن تهاون بالسنن عوقب بحرمان الفرائض، ومن تهاون بالفرائض عوقب بحرمان المعرفة"( ). فإن الأخلاق الرَّذِلَة مِفتاح كلِّ شر، بل هي الشر كلُّه، وإن الأخلاق الحسنة مفتاح كل خير، بل هي الخير كله( ). كان السلف حريصين على تعليم أبنائهم الأدب قبل العلم، فعلي بن أبي طالب رضي الله عنه قال لابنه محمد ابن الحنفية: "أَذْكِ قلبَك بالأدب كما تُذكِي النارَ بالحطب"( ). وكانت أمُّ الإمام الجليل مالك بن أنسٍ متفطنة لأهمية الأدب، فكان الإمام مالك يقول عن أمه: "كانت تُلبُِسني الثياب، وتُعمِّمُني وأنا صبي، وتوجهني إلى ربيعةَ بنِ أبي عبد الرحمن المدني، وتقول: يا بُني! ائت مجلس ربيعة، فتعلم من سمته وأدبه، قبل أن تتعلم من حديثه وفقهه"( ). فإذا تعلم الابن الأدب وثق بنفسه، وزان شأنه، ولم يخف من غير موجب، مر عمر بن الخطاب رضي الله عنه على صبيان يلعبون، فنفروا من هيبته، إلا ابن الزبير رضي الله عنه، وكان صغيرًا، فقال له عمر: مالك لم تبرح؟! فقال: ما الطريق ضيقة فأوسعها لك، ولا لي ذنب فأخافه( ). فما أجمل أن يقول المرء لابنه: يا بني. ائت الفقهاء والعلماء، وتعلم منهم، وخذ من أدبهم وأخلاقهم وهديهم؛ فإن ذاك أحب إليَّ من كثير من العلم. يا بني. تفقه في الدين، وعَوِّد نفسك الصبر على المكروه، وكِلْ نفسك في أمورك كلها إلى الله عز وجل، وأخلص المسألة لربك؛ فإن بيده العطاء والحرمان. يا بني. أمسك عليك لسانك، وإياك والاتكالَ على الأماني؛ فإنها بضائع الحمقى، وتثبط عن الآخرة والأولى. يا بني. إن من خير حظ الدنيا القرين الصالح، فقارن أهل الخير تكن منهم، وباين أهل الشر تَبِنْ منهم، وسلْ عن الرفيق قبل الطريق، وعن الجار قبل الدار. يا بني. اقبل عذر مَن اعتذر إليك، ولا يغلبن عليك سوء الظن؛ فإنه لن يدع بينك وبين خليل صُلْحًا. يا بني. اعلم أن كفر النعمة لؤم، وصحبة الأحمق شؤم، ومن حَلِم ساد، ومن تفهم ازداد. أسال الله عز وجل أن يُلْهمَك الشكر والرَّشَد، ويُقَوِّيك على العمل بكل خير، ويصرف عنك كل محذور برحمته( ). عاصم بن عبدالله بن محمد آل حمد
📄 اضغط لمشاهدة الملف

خطب ذات صلة