مكتبـــــة الخطب

2025-12-21 09:48:01

الثناء بعد الموت بين الصالحين والطالحين

بسم الله الرحمن الرحيم الثناء بعد الموت بين الصالحين والطالحين 26 / 10 / 1442هـ إن الحمد لله... إن طلب الذكر الحسن بعد الموت، والرغبةَ في تخليد المآثر النافعة بعد فراق الدنيا، لهو مطلب الموحدين، وعناية الصادقين، ذلك أنهم يعلمون أن ترك الأثر الجميل دليلُ صدق العمل، وأنّ زراعةَ النبت المثمر علامةُ الخاتمة المُؤَمَّلَة، والتي يرجوها مَن صدق مع الله. دعوة إبراهيم -عليه السلام-. ومن تأمل في ذات إبراهيم-عليه السلام- وجد أنّ كلاً يتولاه، وإنما وقع الخلاف من الناس في من بعده من الرسل، فآمن اليهود بموسى وكفروا بعيسى، وآمن النصارى بعيسى وكفروا بمحمد ﷺ، بينما آمنت أمة محمد ﷺ بالكل إيمانًا بما قال الله تعالى: ﭽ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﭼ البقرة: ٢٨٥. وكذّب اللهُ كلَّ الأمم بزعمهم أنهم من أولياء إبراهيم فقال تعالى: ﭽ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﭼ آل عمران: ٦٧. "والحنيف: الذي يوحد ويحج ويضحي ويختتن ويستقبل القبلة"( ). فكانت كل الأمم تحبه، ولكنهم-في حقيقة الأمر- ليسوا على ملته، لأن ملة إبراهيم الإسلام. وإنما اتفقت الأمم على ذات إبراهيم-عليه السلام- بسبب دعوته المجابة التي قال فيها: ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭼ الشعراء: ٨٤. فما معنى: ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭼ؟ أي: اجعل لي"ثناءً حسنًا، وذكرًا جميلًا وقبولًا عامًا في الأمم التي تجيء بعدي، فأعطاه الله ذلك، فجعل كلُّ أهل الأديان يتولونه ويثنون عليه"( ). مشروعية طلب الذكر الجميل. وأخذ العلماء من دعوة إبراهيم أنه "لا بأس أن يُحِبَّ الرجل أن يُثنَى عليه صالحًا ويُرى في عمل الصالحين، إذا قصد به وجه الله تعالى"( ). وقولهم: "إذا قصد وجه الله تعالى" عبارة فارقة، وجملة مبصرة، تُبِينُ الفرق بين مَن طلب الثناء لأجل الدنيا: وهو الرياء والسمعة، وبين مَن طلب الثناء يريد الدار الآخرة. وكيف يطلب المرء الثناء وبقاء الذكر يريد الدار الآخرة؟ ذلك لأن بقاء ذكرِه الجميل: 1-مدعاةٌ لاقتداء الناس به، فهو يرجو الذكر الجميل حتى يعمل الناس بعده كما يعمل، وكان إبراهيم محلَّ النزاع بين الأمم، إلا أن الله هدى هذه الأمة لحنفيته، والاقتداء بهﭽ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﭼ آل عمران: ٦٨ . 2-كما أن المرء يطلب الذكر الجميل بين الناس رغبةً في محبة قلوب العباد له، فإذا طاب ذكرُه الجميل بين الناس كان ذلك سببًا لدعاء الناس له بالخير، فيرفع الله له الدرجات حيًا وميَّتًا. أولياء الله مقذوفةٌ محبتٌهم في قلوب العباد. عباد الله. إن أولياء الله مقذوفةٌ محبتٌهم في قلوب العباد، وقد وعد الله عباده الصالحين أنْ سيلقي محبتهم في قلوب الناس، قال تعالى: ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭼ مريم: ٩٦ أي: سيجعل الله لهم حبًّا في قلوب عباده وثناءً حسنًا. كما قال ﷺ "إنَّ اللَّهَ إذا أحَبَّ عَبْدًا دَعا جِبْرِيلَ فقالَ: إنِّي أُحِبُّ فُلانًا فأحِبَّهُ، قالَ: فيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنادِي في السَّماءِ فيَقولُ: إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلانًا فأحِبُّوهُ، فيُحِبُّهُ أهْلُ السَّماءِ، قالَ ثُمَّ يُوضَعُ له القَبُولُ في الأرْضِ"( ). ألم تر أن الله امتن على موسى بأن حببه إلى الناس فقال تعالى: ﭽ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭼ طه: ٣٩ ، أي:" حببتك إلى عبادي"( ). اكتسبوا ما يورث الجميل. فدل جميع ما ذكر على استحباب اكتساب ما يورث الذكر الجميل، ولا يكسب الذكر الجميل كمثل العمل الصالح، فما أقبل أحد بقلبه على الله تعالى إلا أقبل الله تعالى بقلوب أهل الإيمان إليه حتى يرزقه مودتهم ورحمتهم. قد مات قوم وما ماتت مكارمُهم وعاش قوم وهم في الناس أموات( ). وإن من أعظم ما يُكسب الذكر الجميل إصلاحَ السرائر، قال ابن الجوزي:" والله، لقد رأيت من يكثر الصلاة والصوم والصمت، ويتخشع في نفسه ولباسه، والقلوب تنبو عنه، وقدره في النفوس ليس بذاك! ورأيت من يلبس فاخر الثياب، وليس له كبير نفل، ولا تخشع، والقلوب تتهافت على محبته، فتدبرت السبب، فوجدته السريرة"( ). فمن صفّى سرائرَه طاب رحيقُه، ولذَّ بين الناس ذكرُه وطيبُه، فعليكم بمداوة السرائر، فلا يأت إصلاح النفوس، ولا تهذيب السلوك إلا بتصفية الجوهر والمخبر. فاللهم كما حسنت خلْقَنا، فحسن أخلاقنا وأورثنا محبتك، وارزقنا موجباتها واجعل قلوبنا خالصة لذكرك. الخطبة الثانية: الحمد لله... أنتم شهداء الله في أرضه. عباد الله. إذا تقرر أن النفوس مجبولةٌ على حبِّ الذكر الحسن، وتقرر أنَّ الذكر الحسن لا يكون إلا لمن عمّر حياته بتقوى ربه، أو عمل صالحًا نَفَعَ به العباد، فليُعلم أنّ من مات لم يُعرف عنه الخير، ولم يُر في مواطن الذاكرين، بل اشتُهر بالرذائل، وعُرف بالخنا والمجون فلْيُعلم أن ثناء الناس -وإن كثر- فليس عند الله بشيء، لأن ثناء الناس المقبول عند الله من كان منهم وليًا لله، وقد قال ﷺ: "مَن أَثْنَيْتُمْ عليه خَيْرًا وَجَبَتْ له الجَنَّةُ، وَمَن أَثْنَيْتُمْ عليه شَرًّا وَجَبَتْ له النَّارُ، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللهِ في الأرْضِ، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللهِ في الأرْضِ، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللهِ في الأرْضِ"( )، فهؤلاء الشهداء الذين يُقبل ثناؤهم هم الذين شهدوا الصلاة، وعمروا المساجد. الثناء على المبتدعة وأهل المجون بعد الموت. وتأمل فعل الصحابة لما أثنوا على الجنازة شرًا فقال النبي ﷺ وهو مقرٌّ لهم، غير منكر: "وجبت". فدل ذلك على أن الميت إذا كان داعي بدعة، أو مجاهرًا بمعصية، أو يظهر أمام الملأ بالانحلال والهابط من الأخلاق، وبقي أثره القبيح بعده: فإنه يُذْكَر بما فيه من الشر حتى يحذر الناس فعله، ولا يقتدوا ببدعته وفجوره. أما قوله ﷺ:"لا تسبوا الأموات"( )، فإن هذا ليس من السب بقدر ما فيه من تحذير الناس من طريقه الوخيم الذي سار عليه في الدنيا، كما ذكر الصحابة شرًّا على الجنازة من غير نكير منه ﷺ، بل قال: "وجبت". قال النووي:" النهي عن سب الأموات: هو في غير المنافق، وسائر الكفار، وفي غير المتظاهر بفسق أو بدعة. فأما هؤلاء: فلا يحرم ذكرُهم بشر، للتحذير من طريقتهم، ومن الاقتداء بآثارهم، والتخلق بأخلاقهم" فاللهم اجعل لنا لسان صدق في الآخرين واجعلنا من ورثة جنة النعيم واغفر لآبائنا ولا تخزنا يوم يبعثون يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. عاصم بن عبدالله بن محمد آل حمد
📄 اضغط لمشاهدة الملف

خطب ذات صلة