مكتبـــــة الخطب

2025-12-21 09:44:23

الانكسار النفسي

بسم الله الرحمن الرحيم الانكسار النفسي 27 / 8 / 1442هـ إن الحمد لله... التبشير بالخوف، وبث توقعات اليأس. إن من أعظم أسباب الانكسار النفسي، والإحباط الوجداني، وأشدِّ منعطفات الحياة في أحوال الناس، والتي تقلبهم رأسًا على عقب، وترميهم في وادي الهلع، وتقذف بهم في متاهات القلق هو: تبشيرهم بالخوف، وبثُّ توقعاتِ اليأس، فإن هذين كالمعولين يهدمان مشاعر الناس، ويدخلهم في نوبات الغموم. احذر من المرجفين. فمن الناس من لا يفتأ لسانُه يَذكُر الشذوذ من زلاتِ المجتمع، وسقطات الساقطين، وهفوات المنحلين، فلا تراه في مجلس إلا وهو متكئ على أريكته لا يلطخ أذنيك إلا بقصص ميتة-لا زمام لها ولا خطام- أو إشاعات مُغرِضة تبني الوهم وتنشر الزكام، مِنْ قادمٍ سيأتي ينقل لك ما يُستحيا من ذكره، لا يعرف سترًا، ولا ينظر في عاقبة، غاية همه تَصَدُّرُ المجالس بأي حديث، أو البروزُ في القنوات بالكلام عن العجائب والغرائب النادرة التي تزعج أصحاب الفطر السليمة، فكلامه على الناس عذابٌ وتقنيطٌ، لا يراعي المصالح، ولا يداوي العليل من النفوس، ولا يبصر فيما يقول، ولا ما إليه الكلامُ يؤول، ولا يعلم أنْ ليس كلُّ ما يُعلم يقال، أو يكتب عنه المقال، وقد قال عليٌّ-رضي الله عنه-:"حَدِّثُوا النَّاسَ، بما يَعْرِفُونَ أتُحِبُّونَ أنْ يُكَذَّبَ، اللَّهُ ورَسولُهُ" منهج الإسلام في التطمين. آية من أعظم الآيات التي وَصَفَت رسالة النبي ﷺ، إذ جاءت على طريقة الحصر، بأبلغ نظم، تأمل قوله تعالى: ﭽ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﭼ الأنبياء: ١٠٧، فهذه الآية على قلة ألفاظها، وتعداد حروفها إلا أنها اشتملت على ذكر: المُرسِل: وهو الله جل في علاه، والرسول: وهو الخاتم ﷺ، والرسالة: وهي دين الرحمة، والمُرسَل إليهم: وهم العالمون، فهو ﷺ رحمةٌ، وشريعتُه رحمةٌ، وأخلاقه رحمةٌ، وقال عن نفسه ﷺ:"إنما أنا رحمة مهداة"( ). ومن رحمته أنْ حُبِّب إليه ﷺ التيسير على الناس، قال البخاري: باب قول النبي ﷺ: "يسروا ولا تعسروا"، ثم قال البخاري: "وكان يحب التخفيف واليسر على الناس"، فهو ﷺ يُسَكِّن القلوب، ويُطَمئِن الأفئدة، وكان يقول: "سكنوا ولا تنفروا"( ). "سكنوا" من التسكين ضد التحريك والمراد إدخال الطمأنينة والهدوء على النفوس، وعدم أخذها بالمرجفات والمقلقات. احذر من مُعّسِّري الدين. ومن الناس من يعسر في الدين، ويغلو في فهم الإسلام، فيضيق على نفسه وعلى الناس، وما ذلك إلا بسبب جهله، وقلة بضاعته وبعد فهمه، ولو فهم الدين لعلم أنه يدور مع المصالح، ويدفع عن الناس الجوائح، قصةٌ أطروفة. ومن ذلك هذه القصة الأطروفة، قال الأزرق بن قيس: كنا على شاطئ نهر بالأهواز، قد نَضَب عنه الماء وذهب وغاب في الأرض، فجاء أبو برزة الأسلمي-رضي الله عنه- على فرس، فصلى وخلّى فرسه، فانطلقت الفرس، فترك أبو برزة الأسلمي صلاته وقطعها، وتبع فرسه حتى أدركها، فأخذها ثم جاء فقضى صلاته وأعادها. قال راوي القصة: وفينا رجل له رأي (أي: لا يعرف السنة، ولا يفهمها) فأقبل يقول: انظروا إلى هذا الشيخ، ترك صلاته من أجل فرس، فأقبل أبو برزة الأسلمي-رضي الله عنه- فقال: "ما عنفني أحد منذ فارقت رسول الله ﷺ" ثم قال أبو برزة: إن منزلي متراخ(أي: بعيد)، فلو صليتُ وتركتُ الفرس، لم آت أهلي إلى الليل، وذكر أبو برزة أنه قد صحب النبي ﷺ فرأى من تيسيره( ). فتأمل النفسية المطمئنة لدى أبي بَرزة-رضي الله عته-، وكيف تعامل مع صلاته وخيله معاملة الساكن الوادع، وعلم أن الإسلام يدفع المفاسد ويقللها، ويجلب المصالح ويكثرها، وتأمل ذلك الرجل الذي أنكر عليه بجهلٍ وجلبةٍ وخلطٍ للمسائل، وكيف ضيق ما كان موسَّعًا، وحرّج في الدين ما كان سَمْحًا، ثم انظر إلى أثر القصة في نفسك وما تَبُثُّه عليك من التطمين والسكينة، وإلقاء الانكسار النفسي الذي جلبه عدم فهم الرجل لسنة الحبيب ﷺ. احذر من مُحلِّي الدين. وفي الجهة الأخرى، حَذَارِ أن تَقْرُب من رجل فهم الدين على مزاجه المُنْحل، فجعل الدين كلَّه في حِل، كما قال تعالى: ﭽ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭼ التوبة: ٣٧ ، ولمَّا حلل الحرام رمى غيره من أهل الاعتدال بالغلو والتشدد والظلام، بينما باءت نفسه بالانحلال والعردبة. فتنبه! فبين هذين وسط، وفي التناهي شطط، وتأمل قول ابن مسعود:" خَالِطِ النَّاسَ وَدِينَكَ لاَ تَكْلِمَنَّهُ، وَالدُّعَابَةِ مَعَ الأَهْلِ"، يعني خالط من شأت، وتَبَشْبَش مع من شأت، لكن أياك وأن تجرح دينك، أو تغير مبادئك. فاللهم نسألك السكينة، والوداعة والطمأنينة الخطبة الثانية: الحمد لله... انشر الطمأنينة وكافح أوباش القلق إن الانكسار النفسي ضعف وهوان، والاستسلام له مناخ محبط، ومرض مقلق، فكن كيعقوب قال لبنيه ﭽ ﭗ ﭘ ﭼ يوسف: ٨٧ ويوسف لأخيه " ﭽ ﰊ ﰋ ﭼ يوسف: ٦٩ ، وشعيب لموسى ﭽ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﭼ القصص: ٢٥، و محمد ﷺ لصاحبه ﭽ ﯘ ﯙ ﭼ التوبة: ٤٠ فنشر الطمأنينة في النفوس في ساعات القلق منهج الأنبياء والصالحين. صَبِّح إخوانك برسائل التفاؤل، واليقين، والأمل، أَسْكِت ضجيج الفضاء بآيات السكينة، فإنها تطرد شكوك الشيطان، واضطرابات النفوس الحائرة، واتلُ ﭽ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭼ الفتح: ٤، قال ابن القيم:" وكان شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - إذا اشتدت عليه الأمور: قرأ آيات السكينة" ( ). وإن من أعظم ما يوهن العزائم، ويكدر القلوب: تناقلَ ما يؤذي المؤمنين، ويجرحَ في دينهم وحيائهم وعفتهم، وكرامتهم. فيا عبد الله. إذا جاءك شرٌّ فأمته في جوالك، وأرح عباد الله من نتن خبره، وتخلص من تطاير وزره، فعَجَبُك من أحد إنما هو بوابة عبور: فينقل الفتنة، وما يثير السخط، وما ينبه على أبواب الشر، ألا مِثلُ هؤلاء متى يرعووا، وقد قال الله تعالى عنهم: ﭽ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﭼ النساء: ٨٣، فهم ذُوَّاعٌ مذاييع. ومن رأى الشر فليشمر ساعده، وليسع في الإصلاح ما استطاع، بحكمة العقل، أو جمال الكِلِم، أو فكر البنان والقلم، ولْيَدْخل في أمة الإصلاح، لا أمة الهدم عاصم بن عبدالله بن محمد آل حمد
📄 اضغط لمشاهدة الملف

خطب ذات صلة